الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
.مسألة نفر أقبلوا وعليهم سلاحهم فزعموا أنهم جنحوا إلى السلم والإسلام: قال محمد بن رشد: المسئول في هذه المسألة أشهب، وقوله فيها معلوم من مذهبه في الواضحة وغيرها أن قولهم: لا يقبل منهم إذا لم يظهروه قبل أن يؤخذوا، قال في الواضحة: والمسلم كان أحق بالتصديق إذا أخذ سكرانا أو زانيا، فقال: تزوجت أو أكرهت على الشرب، فلا يقبل منه، ويقام عليه الحد، قال: فكذلك هؤلاء إذا لم يظهروا ذلك قبل أن يؤخذوا لم يقبل منهم، ويكون الوالي فيهم بالخيار إن شاء قتل، وإن شاء استحيا، واسترق للمسلمين إلا أن يسلموا، فيكونوا عبيدا للمسلمين ولا يقتلون، قال عبد الملك: وهو من أحسن ما سمعت فيه، وقد سألت عنه غير واحد، فقالوه واستحسنوه، وقد مضى تحصيل الخلاف في هذه المسألة مجودا في رسم الجواب، من سماع عيسى، فأغنى ذلك عن إعادته هاهنا. .مسألة الأسير من أهل الحرب يستأذن سيده المسلم أن يخليه على أن يأتيه بابن نفسه: قال محمد بن رشد: المسئول في هذه المسألة أشهب بدليل عطفها على ما قبلها، والله أعلم، وإنما قال: إن القول في ذلك قول الذي جاء بهم من أجل أنه خرج من عند سيده، على أن يأتي بهم، فجعل ذلك شبهته توجب أن يكون القول قوله، وإلى هذا ذهب أحمد بن ميسر، ونص على العلة فقال: لأنه سبق له أمان قبلهم، وقال ابن المواز: القول قولهم، ولم يراع ما أطلقه سيده عليه، ولو أتى بهم دون سبب متقدم؛ لكان القول قولهم باتفاق، إلا أن يكونوا في وثاقه على ما مضى في رسم الكبش، من سماع يحيى، وفي سماع سحنون، وبالله التوفيق. .مسألة إمام الجيش هل يسهم له من الفيء: قال محمد بن أحمد: لا حق للإمام من رأس الغنيمة عند مالك وجل أهل العلم، وما جاء من أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان له شيء يصطفيه من رأس الغنيمة فرس أو عبيد أو أمة أو بعير، على حسب حال الغنيمة، خصوص له أجمع العلماء على ذلك، إلا أبا ثور؛ حكي عنه ما يخالف هذا الإجماع، فقال: الآثار في الصفي ثابتة، ولا أعلم شيئا نسخها فيؤخذ الصفي، ويجري مجرى سهم النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ، وكذلك لا حق له عنده في الخمس إلا الاجتهاد في قسمته بدليل قول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «ما لي مما أفاء الله عليكم، ولا مثل هذه إلا الخمس والخمس مردود عليكم»، ومن أهل العلم من ذهب إلى أن الخمس مقسوم على الخمسة الأصناف المذكورين في الآية بالسواء، وأن سهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد وفاته للخليفة بعده، وأن سهم قرابته لقرابة الخليفة بعده، وفي هذا أثر مرفوع إلى النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ أنه قال: «إذا أطعم الله نبيا طعمة فهي للخليفة بعده». .مسألة العبد من أهل الحرب يخرج بامرأته وولدها وملكه للمسلم: قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لقول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «يجير على المسلمين أدناهم». .مسألة شد رجل من السرية فأسره العدو فلما أحسوا طلبوا من الأسير الأمان: قال محمد بن رشد: زاد ابن المواز في هذه المسألة، وإن اختلف قوله أخذ بقوله الأول، وقال سحنون: لا يجوز أمانه، ولا يصدق أنه كان غير خائف، إذ لا يقدر إذا طلبوا منه الأمان إلا أن يؤمنهم، واختلف أيضا إذا أطلقوه على أن يؤمنهم بشرط، ولم يختلف في أن أمانه جائز إذا أمنهم بعد أن أطلقوه، وهو آمن على نفسه، ولا في أن أمانه لا يجوز إذا قالوا له: تؤمننا وإلا قتلناك، هذا تحصيل هذه المسألة، وقد مضى ذلك في أول سماع عيسى. .مسألة أبقت منه علجة فأصابها بعد ذلك بسنين فوجد معها أولادا: قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ إذ لا اختلاف فيمن ادعى ولد امرأة، فزعم أنها كانت له زوجة أو ملك يمين، أن قوله مقبول، ويلحق به نسبه إلا أن يتبين كذبه بأن تكون قد ولدته لأكثر مما تلده النساء من يوم باعها إن كانت أمة، أو طلقها إن كانت حرة، فإذا أبقت من الرجل العلجة بعد أن وطئها، وقبل أن يستبرئها، فوجد معها أولادا لا يعلم متى وضعتهم فادعاهم، وجب أن يلحقوا به إلا أن يكونوا ليسوا بني بطن، فلا يلحق به إلا البطن الأول، لتبين كذبه في البطن الثاني؛ إذ لا يمكن أن يكون ولدان من وطء واحد، ويكون بين وضعهما ستة أشهر فأكثر، إلا أن يدعي استبراء قبل إباقتها، فلا يصدق ولا يلحق به الولد. وقوله في الرواية، فيكون ذلك له ليس بوجه الكلام، وإنما كان من حقه أن يقول: فلا يصدق ولا يلحق به الولد، ولو علم أنها وضعتهم لما يلحق به الأنساب، لوجب أن يلحقوا به، وإن لم يدعهم إذا ادعت أنهم منه، إلا أن يدعي استبراء قبل إباقتها، فيكون ذلك له، ولا يلحق به الولد إلا أن تكون وطئت في بلد الحرب، فإن كانت قد وطئت في بلد الحرب على وجه الملك لم يلحق به الولد إذا أنكره وأقر بالوطء، ولم يدع الاستبراء إلا بالقافة، ولو كانت إنما وطئت في بلد الحرب على وجه الزنا ما لحق به الولد بغير قافة؛ لقول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الولد للفراش، وللعاهر الحجر»، وكذلك يلزم على قياس قول من يقول: من أبق منه عبده إلى بلد الحرب، أن صاحبه يأخذه ممن اشتراه من الحربي، أو صار له في المغانم بغير ثمن، ولو علم أنها وضعته لما لا يلحق به الأنساب منه لما ألحقوا وإن ادعاهم. .مسألة فرس حبس أبدله صاحبه بفرس حبس فأصيب بأحدهما عيب: قال محمد بن رشد: أما قوله: إذا تبادلا بالفرسين الحبيسين، فوجد بأحدهما عيب فصحيح لا اختلاف فيه، إذ لا يصح أن يلزم العيب من لم يرض به في المبادلة، كما لا يصح في المبايعة، قال ابن أبي زيد: ولو وجد بأحدهما عيب، وأصيب الآخر لرد المعيب، وأخذ قيمة فرسه الفائت، وحكاه عن ابن القاسم من كتاب ابن المواز، وهو بعيد لا وجه له، إلا أن يكونا تبايعا ذلك من عصاص أو حطم أو ضعف عن الجهاد؛ لأن من اشترى فرسا حبيسا فتلف عنده كان له أن يرجع بالثمن، ولو لم يكن عليه ضمان، كمن اشترى عبدا فمات عنده ثم استحق بحرية. وأما قوله: إن لمن أراد منهما الرد أن يرد، وإن لم يجد عيبا، فإنه كلام فيه نظر؛ لأنه إذا لم ير المبادلة بينهما جايزة إلا أن يكونا تبايعا ذلك من عصاص أو حطم أو ضعف عن الجهاد، وكما قال، فكان يلزم على قوله أن يقول: إن الترداد لازم لهما؛ لفساد المبادلة بينهما، والأظهر أنها جائزة، وأنه لا رد لأحدهما إلا أن يجد عيبا على ما في المدونة من إجازة المبادلة في طعام العدو ببلد الحرب، إذ لا فرق بين المسألتين؛ لأن الطعام لا يملك أخذه في بلد الحرب، وإنما له الانتفاع بأكله في بلد الحرب، فهو كالفرس الحبيس الذي لا يملك، وإنما للذي هو بيده الانتفاع بركوبه في السبيل، فهذه الرواية تأتي على ما روي عن مالك من أن المبادلة في ذلك كالمبايعة لا تجوز. وأما قوله: ولو كان ذلك في أحدهما، والآخر سليم، رأيت أن يرد السليم منهما إلى صاحبه، يريد ويرد المعيب أيضا، إلا أن يفوتا فتكون فيه القيمة على حكم البيع الفاسد؛ إذ لا يختلف في فساد البيع، إذا كان أحدهما سليما لا يجوز بيعه، والآخر منتقصا لا يصلح للجهاد يجوز بيعه، فإن كانا منتقصين جازت المبادلة فيهما باتفاق إلا على مذهب من لا يجيز بيع الفرس الحبيس، وإن انتقص ولم ينتفع به في الجهاد، وإن كان أحدهما منتقصا لم تجز المبادلة فيهما باتفاق، وإن كانا جميعا متناقصين، فعلى ما ذكرناه من الاختلاف. .مسألة الحر المسلم يشترى في أرض العدو بأضعاف الثمن: قال محمد بن رشد: قد مضى في أول رسم من سماع أشهب القول في هذه المسألة، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. .مسألة حكم شراء أولاد أهل الحرب منهم: قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على ما في المدونة من أنه يجوز لنا أن نشتري من أهل الحرب أولادهم إذا باعوهم منا، ولم يكن بيننا وبينهم هدنة، وذهب كثير من أهل النظر إلى أن مسألة رسم المكاتب من سماع يحيى معارضة لهذه المسألة، ولما في المدونة، والصواب ألا تعارض على ما مضى القول فيه هناك، وبالله التوفيق. .مسألة علج من العدو أسر فبلغ الإمام بالصياح عليه ثم رأى الإمام قتله: قال محمد بن رشد: قول أصبغ صحيح، ينبغي أن يحمل على التفسير؛ لقول القاسم؛ لأن الأمان شديد، فإذا أمر الإمام بالصياح على الأسير لبيعه ويقسم ثمنه عازما على ذلك، فقد استرقه للمسلمين وحرم قتله. .مسألة السرية تبعث في أرض العدو فيجعل لها ثلث ما أصابت: قال محمد بن رشد: هذا معلوم من مذهب مالك في المدونة وغيرها أنه لا يجوز للإمام أن ينفل قبل القتال، لئلا يرغب الناس في المال، فتفسد نيتهم في الجهاد، فإن وقع ذلك مضى للاختلاف الواقع في ذلك والآثار المروية فيه، من ذلك ما روي: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعمرو بن العاص: «هل لك أن أبعثك في جيش، فيسلمك الله، ويغنمك، وأرغب لك في المال رغبة صالحة»، وما روي من أنه «كان ينفل السرايا في البدأة الثلث، وفي الرجعة الربع»، «وأنه نفل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في البدأة الربع وحين نفل الثلث». وذهب إليه جماعة من العلماء، وقال أكثرهم: لا يزيد على الثلث؛ لأنه أكثر ما روي، ومنهم من ذهب إلى أنه إنما ينفل الربع أو الثلث بعد الخمس، ومنهم من ذهب إلى أن له أن ينفل السرية كلما غنمت، وأما مالك رَحِمَهُ اللَّهُ، فلا يجيز النفل قبل القتال، ولا يراه بعد القتال إلا من الخمس؛ لأن قسمة الخمس عنده مصروفة إلى اجتهاد الإمام، والأربعة الأخماس للغانمين، فلا يجيز للإمام أن يعطي أحدا منها فوق سهمه. ومن أهل العلم من قال: إن النفل لا يكون إلا من خمس الخمس، ذهب إلى هذا من رأى أن الخمس يقسم بالسواء بين الخمسة الأصناف المذكورة في الآية، ومنهم من أجاز للإمام أن ينفل من رأس الغنيمة قبل الخمس على ما قد ذكرنا من مذهب من أجاز للإمام أن ينفل السرية كلما غنمت، ومنهم من قال: لا ينفل من الخمس، وإنما ينفل من الأربعة الأخماس بعد إخراج الخمس على ما قد ذكرناه في حكم تنفيل السرية أيضا، وما ذكره من كراهة التغرير للسرية صحيح، ينبغي للإمام ألا يأذن في ذلك ويمنع منه، قال سحنون في كتاب ابنه: وأصحابنا يرون في سرية تخرج في قلة وغرر بغير إذن الإمام، أن للإمام منعهم الغنيمة أدبا لهم، قال سحنون: فأما جماعة لا يخاف عليهم، فلا يحرمون الغنيمة، وإن لم يستأذنوه، يريد وإن أخطئوا. .مسألة الرجل من أهل الإسلام يسبى أعلى المسلمين أن يفتدوه: قال محمد بن رشد: قد مضت هذه الرواية لأشهب في أول سماعه، والقول عليها هناك، فلا معنى لإعادته. .مسألة الروم يطلبون من المسلمين في المفاداة الخمر والخيل والسلاح: قال محمد بن رشد: ظاهر قول أشهب هذا أنه أجاز أن يفدى الأسير بالخيل والسلاح، وإن كثر ذلك، إذا لم يقدر إلا على ذلك، وهو نص قول سحنون خلاف ما ذهب إليه ابن حبيب، من أنه إنما يجوز ذلك ما لم يكن الخيل والسلاح أمرا كثيرا، يكون لهم به القوة الظاهرة. وأجاز سحنون أيضا أن يفدى منهم بالخمر والخنزير والميتة، قال: ويأمر الإمام أهل الذمة أن يدفعوا ذلك إليهم، ويحاسبهم بقيمته في الجزية، فإن أبوا لم يجبروا على ذلك، ولم يكن بأس بابتياع ذلك لهم، وهذه ضرورة، وقد روي عن ابن القاسم أن المفاداة بالخمر أحق منها بالخيل والسلاح، وهو كما قال؛ إذ لا ضرر فيه على المسلمين في المفاداة منهم بالخمر، وعليهم الضرر في المفاداة منهم بالخيل، وقول أشهب في تفرقته بين الخيل والسلاح وبين الخمر؛ لأنه لا ينبغي لأحد أن يدخل في نافلة من الخير بمعصية ليس بصحيح؛ لأن بيع الخيل والسلاح منهم معصية كما أن بيع الخمر منهم معصية، فإذا جاز أن يعطوا الخيل والسلاح في فداء مسلم لحرمة المسلم كان أجوز يعطوا فيه الخمر لحرمة المسلم؛ إذ لا ضرر في ذلك على المسلمين والدخول في نافلة من الخير بمعصية إنما هو مثل أن يسرق مال أحد أو يغصبه، فيفدي به أسيرا، أو يفعل به خيرا، وما أشبه ذلك، وسواء على مذهب ابن القاسم كان الأسير في بلد الحرب، أو قدم به بأمان إلى بلد المسلمين؛ إذ له على مذهبه أن يرجع به إلى بلده إن شاء خلاف ما ذهب إليه ابن حبيب من أنه لا يمكن من الرجوع به إلى بلده، ويؤخذ منه بالقيمة شاء أو أبى، وقد تقدم في سماع يحيى وسحنون ما دل على هذا المعنى، ومن فدى مسلما بخمر أو خنزير أو ميتة، فلا رجوع له عليه بشيء، إلا أن يكون المعطي ذميا، فليرجع عليه بقيمة الخمر والخنزير والميتة إن كانت مما يملكونها، قاله سحنون في كتاب ابنه، ومعناه إذا فداه بذلك من عنده، وأما إن ابتاعه ليفديه به، فإنه يرجع عليه بالثمن الذي اشتراه به، والله تعالى هو الموفق لا رب غيره. .مسألة دعي إلى الإسلام أو الجزية غير مرة فأبى فجوهد وجاهدوا وحاربوا وسبوا: قال: وهذا أحب ما سمعت إلي، مع ما جاء من الاختلاف في الدعوة، قد قال جل الناس: إنها قد بلغت العالم جميعا. قال أصبغ: وقد بلغني أن عمر بن عبد العزيز كتب ألا تقاتلوهم حتى تدعوهم؛ فإنا إنما نقاتلوهم على الدين، وإنما تخيل إليهم وإلى كثير منا، أنا إنما نقاتلوهم على الغلبة، فلا تقاتلوهم حتى تبينوا لهم. قال محمد بن رشد: الكفار في حكم دعائهم إلى الإسلام قبل القتال على ثلاثة أقسام: أحدها: أن يكونوا ممن لم يبلغه أمر النبوة والإسلام. والثاني: أن يكونوا قد بلغه أمر النبوة والإسلام، إلا أنهم يجهلون أنهم إنما يقاتلون ليدخلوا في الإسلام، أو يؤدوا الجزية، ويظنون أنهم يقاتلون ليغلبوا ويسترقوا لا لما سوى ذلك. والثالث: أن يكونوا يعلمون أنهم إنما يقاتلون على الإسلام؛ ليدخلوا فيه أو يؤدوا الجزية. والدعوة في القسم الأول والثاني واجبة قبل القتال في الجيوش، إلا أن الحكم يفترق فيهما، إن قوتلوا قبل، بين أن يدعوا ويسبوا، فلا يمضي ذلك في أهل القسم الأول، ويمضي في أهل القسم الثاني. وقد قال جل أهل العلم: إن دعوة الإسلام قد بلغت جميع العالم، فعلى هذا يسقط القسم الأول، وهي في القسم الثالث غير واجبة على السرايا، لا يلزم أن يتقدم إليهم قبل بعث السرايا إليهم؛ لعلمهم بما يتقدم به إليهم. وذلك جائز للإمام أن يفعله إن شاء، وأما أمير السرية إذا دخل، فلا يجوز له الدعوة ولا يحل؛ لأن في ذلك تجليبا للعدو على نفسه وإهلاكا لها، واختلف في وجوبها على الجيوش والصوائف، فأوجبها أصبغ في هذه الرواية، ظاهر قوله، وإن لم يرجوا أن يستجيبوا لهم إذا دعوهم، وقد قيل: إنه إنما يجب عليهم أن يدعوهم إذا رجوا أن يجيبوهم إذا دعوهم، أو أيقنوا بذلك، وهو قول يحيى بن سعيد في المدونة: ولعمري إنه للحق على المسلمين ألا ينزلوا بأحد من العدو في الحصون ممن يطمعون بهم، ويرجون أن يستجيب لهم إلا دعوه. وقد قيل: إنه إنما يجب عليهم إذا أيقنوا أنهم إن دعوهم أجابوهم لخوفهم من تغلب المسلمين عليهم، وأما إن لم يوقنوا بذلك ورجوه استحبت لهم الدعوة، وإن علموا أنهم لا يجيبونهم جازت لهم ولم تستحب، والذي يأتي على مذهب مالك أنها غير واجبة، وإن أيقنوا بإجابتهم، وهو قول سحنون في كتاب ابنه؛ لأنه أنكر التفرقة وقال: إن وجبت فعلى الجميع، وإن لم تجب سقطت في الوجهين يريد أن تسقط في هذا القسم عن الجيوش كما تسقط عن السرايا، وأنها تجب في القسم الأول والثاني، أو في القسم الثاني إن سقط القسم الأول على السرايا كما يجب على الجيوش والصوائف، وأما إن شك في بلوغ الدعوة إليهم فمن بعد عن الدرب محمولون على أن الدعوة لم تبلغهم لم يختلف في ذلك قول مالك، واختلف قوله فيمن قرب من الدروب في المدونة، فمرة حملهم على أن الدعوة لم تبلغهم، فأوجب دعاءهم قبل القتال، ومرة حملهم على أن الدعوة قد بلغتهم، فلم يوجب دعاءهم قبل القتال، فهذا وجه اختلاف قول مالك في المدونة، والله أعلم، وإذا سقطت الدعوة، ووجب القتال لم يؤذنوا، واستعمل في حربهم ما أمكن من المكر والخديعة، فقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الحرب خدعة». .مسألة عبدا من المغنم أبق ولحق بدار الحرب ثم غنم أيكون غنيمة مبتدأة: قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن العبد إذا استحكمت غنيمته، فقد وجب لغانميه بعد تخميسه، فإذا أبق ثم غنمه آخرون، فهم أحق به إن أدركوه قبل القسم بغير ثمن وبعده بالثمن إن شاءوا أن يأخذوه. .مسألة أهل الذمة يخرجون غزاة إلى أرض الحرب متسررين متلصصين: قال محمد بن رشد: قد تقدم القول على هذه المسألة في أول سماع يحيى، فلا معنى لإعادته. .مسألة العبيد يجتمعون فيسرون وهم مسلمون فيصيبون العمل والسنة في الغزو: قال محمد بن رشد: ابن القاسم يرى في غنيمتهم الخمس، وقد مضى ذلك من قوله في سماع يحيى، فعلى قوله لا يمنعون من الغزو منفردين؛ لأن الخطاب في قول الله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} [الأنفال: 41] الآية، وإن كان متوجها إلى الأحرار والعبيد تبع لهم إذا كانوا في جملتهم، فهو يراهم بمنزلتهم، إذا انفردوا قياسا عليهم في أن الخمس عليهم والأربعة الأخماس لهم، فكذلك يجب أن يكونوا بمنزلتهم في أن لا يمنعوا من الغزو، وبالله التوفيق. .مسألة غشيهم العدو فبادروا إلى دوابهم فأخذ كل واحد منهم دابة صاحبه: قال محمد بن رشد: لمالك في رسم يتخذ الخرقة من سماع ابن القاسم، من كتاب الجنايات نحو هذه المسألة، فإنه يعذر بالخوف في بلد الحرب في السفر، ويسقط عنه الضمان، وقال سحنون هناك: إنه ضامن مثل قول أصبغ هاهنا، وهو الأظهر على أصولهم في أن الأموال تضمن في العمد والخطأ، ونهاية ما في هذا أن يجعل بالخوف في حكم المغلوب عليه كالمكره، ومن قولهم: إن من أتلف مال غيره مكرها لا يعذر بالإكراه، ويجب عليه الغرم. .مسألة ينزع من جماعة المسلمين فيصالح العدو الذين يلونه ويستمد بهم على المسلمين: قال محمد بن رشد: مثل هذا لأصبغ في الثامن من الثمانية حرفا بحرف، وهو مفسر لقول ابن القاسم في سماع يحيى.
|